الاثنين، 22 نوفمبر 2021

قراءة في رواية ☆قيود على القلب ☆ للكاتب السوري أحمد علي بيطار .. بقلم الأستاذة باسمة العوام

قراءتي في رواية ☆قيود على القلب ☆ للكاتب السوري أحمد علي بيطار .. والصادرة عن دار ( توتول ) للطباعة والنشر .. دمشق / سورية عام 2020 ===================================== __قلب يحترق ، تشتعل فيه النار .. صورة الغلاف وفوقها عنوان يقول :" قيود على القلب " ؛ فأيّة قيود أحرقت هذا القلب وأشعلت النار فيه ؟ ! أهي قيود المجتمع التي حرمته من أروع إحساس ومشاعر يحياها الإنسان ؟ أم قيود الوطن الذي يحيا فيه ؟! أهي قيود الغربة والفراق والرحيل التي أدمته وقطّعت أوصاله ؟ أم قيود الظلم والقهر والتعصب الأعمى وصراع أجيال ؟!!! __ بلهفة نفتح باب الرواية لنلج إلى الإهداء .. ☆ الإهداء " إلى تلك التي كانت تبحر في نومها وأحلامها وأنا أراقبها من بعيد حتى أطبق القدر على عنقها بيديه الاثنتين ، وهي يائسة لا تقاوم إلى أن جمد الدم في عروقها ،وكاد نبضها أن يتوقف عن الحياة فانكببت عليه حتى حررتها منه وأغرقتها في بحر ذهول .. أكتب قصتها وأستعرض حكايتها ، حتى كاد يغمى عليها من الضحك حين قرأتها ، ومازالت إلى الآن تضحك أرجوكم .. إذا سمعتم ضحكتها في صمت الليل أو صخب النهار ، أخبروها أن حلمها لن يتحقق إلا إذا مزقت صمتها ، وكسرت جمودها . تلك الفاتنة لابد أن تعرف معنى السعادة يوما ما ." ==== الإهداء إلى أنثى !! إذا القلب قلبها .. والقيود فرضتها الحياة وقضاء القدر ، كانت تتحرر منها في نومها و أحلامها ، وإذا ماصحا الفجر دوّى ضجيج ضحكاتها وكأنها تسخر من أحلامها تصطدم بواقع محيطها ، لكن الكاتب يبثّ لها بين سطوره أملاً بغد سعيد وحلم يتحقق . __أما الأستاذ محمد الحفري ( روائي ومسرحي وقاص ) الذي قدّم لهذه الرواية مكرراً في مقدمته قول " غريماس ": بأن " النص هو النقطة التي نبدأ عندها صراخنا إذا جاز التعبير ، وإليها ينتهي ." يكتب مقدمته تحت عنوان " الصرخة ثم الصرخات " . الصرخة الأولى نبدأ بها لحظة الولادة ، والصرخة الأخيرة إليها ننتهي لحظة الرحيل ، وبينهما كم صرخة وصرخة نصرخ ؟ ☆ الصرخة الأولى التي نسمعها عند نقطة البداية من نهى صاحبة القلب المحترق المكبّل بكل قيود الظلم والقهر والعذاب فتقول : " كان الوقت صعباً وضاغطاً ورجراجاً ونازفاً حين رحت أصرخ بعلو صوتي وبلا وعي مني : استيقظ ياأبي . لاترحل أرجوك ، لم نرتو من حبّك بعد . ستتحرر فلسطين ، اليوم سيندحر اليهود .. أرجوك لن يصدأ مفتاح بيتنا في فلسطين ، سنعود إليه ، أرجوك ياأبي حدثني ......". __ تتوالى الصرخات .. قلبٌ يفرّ من قيوده بين صرخة وصرخة .. أصابع محترقة تداعب وجه الماء بحثاُ عن الحقيقة ..وعقل تاه في طرقات معوجّة بين وهم الحظ والنّصيب وعتمة الأنفاق . تتوالى الأحداث .. وبعد كل صرخة تستفيق نهى من غيبوبتها ، تفتح عينيها على فاجعة جديدة ودويّ صراخ أقسى وأمرّ .. صرخة ألم على فراق والدها ، صرخة قهر على ترك مدرستها ، صرخة آه من قسوة أمها ومجتمعها .. وثم الصرخات الصامتة القاتلة بوجه زوج يقهرها ويذلها متى يشاء ، ويحرمها من أبسط حقوقها وألذّ مشاعرها في احتضان طفل وإحساس بالأمومة ، صرخة تمرد وتحطيم قيد تقودها لقبض ثمن عبودية زوجها لها وتحقيق حلم بأمومتها ، تمرد ذليل بقلب مجروح تعود نهى إلى بيتها وهي تحدث نفسها : " عليّ أن أتودد من جديد له ، كيف لا وأنا أحلم بطفل لي ، وها قد مرّ عامان على زواجي . أيّ أطفال تلك التي تولد بالاغتصاب؟ لماذا لاتولد بالحب وتعيش الحب وتحيا عليه ؟ ". __تنجب نهى .. لكن هيهات أن تشفى القلوب من نزيف القيود ، من ألم أعظم بمعاناة مع الفقر والتشرد في وطنها الجريح في ظل حرب عشواء أحرقت الأخضر واليابس . __ تستمر الحكاية ، وبإسلوب سرديّ وحبكة متقنة للأحداث وبراعة في إبراز عنصر التشويق وشد انتباه القارئ لكل حدث ، يأخذنا كاتبنا حتى النهاية بين ضجيج وصمت ، بين ليل ونهار ، إلى قلب تلك الأنثى ، إلى وطن مزقته الحرب ، إلى شباب يرحل إلى المجهول .. وبلسان بطلته يتحدث وكأنه هو العالِم بمكنونات عالم المرأة وأسراره ، القادر على تصوير مايجول في أعماقها وما تبوح به روحها .. وبلغة بسيطة سلسة وتقنية مميزة يضمن سطوره أحداث ما وقع في وطنه سورية ، ولم ينسَ فلسطين صرخة الحق والقضية المصير والتي وردت في معظم الحوارات بين شخصيات روايته . بأسلوبه هذا يرسم الأمل بالغد عندما جعل بطلته ( نهى ) تجد سعادتها وبعد أن طلقها زوجها وهاجر مع ولديه وتركوها مكسورة تحمل انكساراتها وانكسارات وطنها في قلب حطمته القيود ، فتتزوج من شاب يصغرها سنا لتحطم قيدا جديدا وتنطلق نحو السعادة وتحقيق الحلم ... فهل أراد كاتبنا من خلال نهى أن يقول لنا أنه مهما طال الليل لابد للفجر أن يأتي ، ومهما كبرت وثقلت القيود لابد لها بفعل الصبر والإرادة أن تنكسر .. وبالنهاية هناك معادلة يصعب موازنة طرفيها بين العقل والقلب ، فطوبى لمن فعل.. ==================================== خاتمة ... لقد استطاع الكاتب وبمهارة فائقة تقمص دور المرأة ليبوح بشيء من مكنونات أعماقها وليس كلّها- لأن الرجل في مجتمعاتنا عالم مختلف تماما مهما ولج إلى عالم المرأة وأحسّ بمعاناتها تبقى هناك مساحات لايمكن تجاوزها - وذلك من خلال شخصية نهى التي كان قريبا منها دوما ربما في الحقيقة وفي الخيال ، واستطاع من خلالها وبذات أسلوب السرد ، أن يلقي الضوء على نماذج مختلفة سواء من الرجال أو النساء في مجتمع واحد وبيئة واحدة ، يفرضون قيودهم وكلّ بطريقته وأسلوبه ليتشكل هذا المجتمع بقيمه وأسسه وكل مظاهره على أيديهم .. فنرى المرأة المقهورة والمغلوب على أمرها والتي تعاطف معها كاتبنا ليرسم لها تلك النهاية السعيدة (نهى ) ، والأم القاسية الجاهلة كأمها ، والمرأة المتسلطة الظالمة كوالدة زوجها و( سها ) شقيقة زوجها الواعية المتفهمة والمتعلمة .. ومن عالم الرجل أيضا أمثلة أوردها الكاتب ، أبرزها شخصية( زياد ) التي تعكس أسوأ مثال لتسلط الزوج وكسله وفشله وجهله ، على عكس والده الرجل الطيب المتسامح والبسيط ، والأولاد الذين لايعرفون معنى للحب أو الاحترام أو التضحية ولا حتى برّ الوالدين ... في النهاية .. هي رواية اجتماعية بامتياز عكست جانبا من مجتمع نحيا فيه ، وأبرزت بعضا من تلك القيود المفروضة وأهمها قيود على القلوب تلك التي نختارها بعقولنا وتدفع قلوبنا الأثمان باهضة . __ رواية تستحق القراءة ، وكاتب ماهر في استقطاب وجهات نظر مختلفة ورؤى يتفرد بها كل قارئ حسب مفاهيمه ومعتقداته وثقافته في كل زمان ومكان . باسمة العوام