الاثنين، 16 أكتوبر 2017

أول ملك في الإسلام " المنذر بن ساوي .." عظيم البحرين...بقلم الرائع د . صالح العطوان الحيالي



أول ملك في الإسلام " المنذر بن ساوي .. عظيم البحرين "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي 16-10-2017
المنذر بن ساوي بن الأخنس بن بيان بن عمرو بن عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم هو ملك الخليج العربي في زمن رسول الله محمد صلى الله عليه وآله سلم. أما عن جاهليته فقد كان المنذر بن ساوى نصرانيًّا، إذ كان كان قومه من "عبد شمس" نصارى، وتعتبر أخبار بن ساوى قبل إسلامه قليلة للغاية، ويبدأ ذكره في المصادر باستقباله العلاء بن الحضرمي يحمل رسالة النبي .
إسلامه ..بعث محمد "عليه الصلاة والسلام" العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى ، وكتب إليه رسول الله كتابًا يدعوه فيه إلى الإسلام، فكتب المنذر إلى رسول الله : «أما بعد، يا رسول الله فإني قرأت كتابك على أهل البحرين، فمنهم من أحب الإسلام وأعجبه ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إليَّ في ذلك أمرك.»
فكتب إليه رسول الله :
«"بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإني أذكرك الله فإنه من ينصح فإنما ينصح لنفسه، وإنه من يطع رسلي ويتبع أمرهم فقد أطاعني، ومن نصح لهم فقد نصح لي، وإن رسلي قد أثنوا عليك خيرًا، وإني قد شفعتك في قومك فاترك للمسلمين ما أسلموا عليه، وعفوت على أهل الذنوب فاقبل منهم، وإنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهودية أو مجوسية فعليه الجزية".» 
أما عن مواقفه مع الرسول فإنه لم يقابل المنذر رسول الله ، ولم يكن في الوفد الذي حضر من البحرين لمقابلة رسول الله وإنما كتب إليه معهم بإسلامه. ولكن كان بينهما خطابات يسأل فيها المنذر ويستشير رسول الله في بعض الأمور، منها معاملته لليهود والمجوس الذين لم يسلموا بأرض البحرين.
كانت هذه كلمات رسالة رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي عامل كسري علي البحرين .. فمن هذا الحاكم ؟ وكيف كان رده علي رسول البشرية الأعظم محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه ؟ وما الرسائل التي تبادلها حاكم البحرين مع رسول الله صلوات الله عليه وسلم ؟ وهل كان له مواقف مع صحابة رسول الله رضي الله عنهم ؟ وهل روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أحاديث نبوية شريفة ؟ وكيف كان حكمه في أهل البحرين ؟ هو أول ملك في الإسلام اسمه المنذر بن ساوى بن الأخنس بن بيان بن عمرو بن عبد الله بن زيد بن عبد الله بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تـميم الدارمي التميمي .. كما في إصابة بن حجر .. أو العبدي .. كما في ثقات بن حبان - ت 354 هـ - عامل كسري علي البحرين .. وقبل أن نخوض في إسلامه وشخصيته وكيف كان حكمه في البحرين .. هناك لمحة تاريخية مهمة عن البحرين تساعدنا في فهم شخصيته أكثر وكذلك أهل البحرين .. فقد كانت البحرين أرضا مقدسة ذات حضارة مستقلة في مقوماتها وخصائصها وآثارها .. ومن الطبيعي أن يتمازج ساكنو البحرين قديماً مع غيرهم من شعوب الخليج شماله وجنوبه .. وكان من نتيجة ذلك الاختلاط أن وردت إلى البحرين عدة طوائف وشعوب من الأمم التي خلفت وراءها آثاراً متباينة .. غمر التاريخ بين طياته العديد منها .. ومن خلال كتب التاريخ .. فإنه من المرجح أن تسمية البحرين بجزرها الحالية قد بدأت قبيل منتصف القرن الثالث عشر الميلادي .. و كانت جزيرة البحرين بعد ذلك التاريخ تذكر كجزء منفصل عن البحرين الأم .. واستطاع العرب في أوائل القرن الرابع الميلادي وبقيادة امرؤ القيس بن عمرو أن يؤسسوا أركان دولة عربية .. لو حالفتها الظروف الجيدة لكان لها شأن يذكر في التاريخ .. إلا أن الفرس كانت لهم مخططات أخري فقد استطاعوا القضاء عليها ولم تزل في بداية نشوئها .. ومنذ عام 325م إلى 378م مر العرب بفترة قاسية .. كانت من أسوأ الفترات التي مرت عليهم في تاريخهم القديم .. فقد احتل الفرس الأطراف الشرقية من جزيرة العرب .. واحتل الأحباش اليمن فقضوا على دولة الحميريين فيها .. وغزا الروم الشام والأطراف الشمالية لبلاد العرب .. وبذلك قضوا على استقلال الدويلات التي كانت للعرب في اليمن والحيرة وتخوم الشام .. ولم يبق بعيدا عن ذلك الاحتلال غير الحجاز وبعض أقسام نجد وباديتها .. وفي عام 378 م استطاع الحميريون بقيادة ملك يكرب ينعم أو ملك كرب – يهامن - أن يحرروا اليمن من سيطرة الأحباش .. وبويع ملك يكرب ملكا على اليمن .. ولقب بملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات .. ولم يستطع العرب في ذلك العصر التخلص من أكبر دول العالم وهما دولتا الفرس والروم .. ولأن هاتين الدولتين لم يكن لهما مطامع في داخلية جزيرة العرب وصحاريها .. فقد أعاد الفرس إلى اللخميين سلطانهم على الحيرة بعد قتل اوس بن قلام .. ثم تحالفت الدولة الساسانية مع هذه الإمارة واتخذت منها أداة رادعة لصد هجمات القبائل العربية المتكررة على حدود مملكتها .. كما جعلتها عونا لها في الحروب التي تنشب بين الساسانيين وبين الروم .. أما التبابعة في اليمن فقد وسعوا نفوذهم في جزيرة العرب في عهد أبو كرب .. اسعد بن ملك يكرب وابنه حسان أضيف إلى لقبهما ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات وأعرابهم طودم - وتهامة - أي وأعرابها في الجبال وتهامه .. ويروى التاريخيون أن حسان بن أسعد بن ملك يكرب ساعد أخاه لأمه حجر بن عمرو سيد قبيلة كنده على تأسيس إمارة كنده التي امتد سلطانها على قبائل معد .. وكانت هذه القبائل تابعة لسلطة تبابعة اليمن .. كما كانت إمارة المناذرة تابعة للفرس حينذاك .. واختلف الرواة في أصل قبيلة كندة هل هم قحطانيون أم عدنانيون .. ويرى المؤرخ جرجي زيدان أن كندة بطن من كهلان وأصلهم فيما رواه الثقاة من البحرين والمشقر .. وأنهم اجلوا عنها حضرموت وعددهم ثلاثين ألف نفس في زمن لا يمكن تحديده .. ثم أقاموا هناك إلى ما شاء الله وفي بلد يعرف باسمهم كنده .. وهذه الأخيرة مرتفع من الأرض يشرف على حضرموت وتصب أوديته فيه .. ثم إلى صهرة وقصبته الكبرى دمون .. أقام الكنديون هناك دهرا من الزمان وهم على وفاق مع الحميريين حكام تلك البلاد .. وكان الحميريون يستخدمون خاصة كندة وكنارهم في بعض مصالحهم ويدخلونهم في حاشيتهم أو بطانتهم .. أما الدكتور جواد علي فيرى أن كندة كانت قبيلة على اتصال وثيق بالقبائل الحجازية المنتسبة بدورها إلى معد وعدنان .. وربما كان اتصال كندة هذا أوثق وأقوى من اتصالها بقبائل قحطان خلافا لما يرى النسابون من أن كندة تنتمي إلى قبائل قحطان .. وفي كتابه تاريخ البحرين يرجح الدكتور منصور الجمري أنه في حوالي عام 410 م تمكن حسان بن أسعد ملك يكرب - وكان مشاركا لوالده حكم اليمن في حياته - أن يمد نفوذه إلى القبائل العدنانية المنتشرة في بادية نجد و البحرين .. وأن يولي عليهم أخاه لأمه حجر بن عمرو الملقب بآكل المرار .. وعلى يد هذا الأمير تأسست إمارة كندة .. واستقام حجر في الحكم حوالي 40 سنة أي أن وفاته كانت عام 450 ميلادية تقريبا .. وخلفه في الحكم ابنه عمرو بن حجر الملقب بالمقصور .. وفي أوائل سني حكمه أي في حوالي العقد السادس من القرن الخامس الميلادي .. ثارت قبائل معد بقيادة كنيب وائل .. واستطاعت التخلص من حكم اليمن حيث انتصرت على القبائل القحطانية في موقعة خزازى المشهورة في التاريخ - وفيها لما مات ربيعة بن الحارث سيد قبائل ربيعه بن نزار في أواخر القرن الخامس الميلادي خلفه كليب في السياده .. وكان لبيد بن عقبة عامل ملوك كنده قد تزوج الزهراء أخت كليب والمهلهل فطغى على ربيعة .. وثقلت وطأته عليهم .. وقد كانت قبائل نزار من ربيعه ومضر تدفع الإتاوه سنويا لملوك اليمن حيث كانوا ظاهرين على نزار ومعد .. وقد أنكرت الزهراء عليه صنعه بربيعة فقال لها : ما بال أخيك كليب ينتصر لمضر ويهدد الملوك كأنه يعز بغيرهم فقالت : ماعرف أعز من كليب وهو كفؤ لها .. فغضب لبيد ولطمها لطمه أعشت عينها .. فخرجت من عنده إلى أخيها كليب وهي تقول شعرا .. فلما سمع كليب قولها .. ورأى ما بها من أثر اللطمة ثارت حميته فهجم على لبيد وقتله .. فلما رأت ربيعة أن كليبا قتل لبيدا .. أيقنت بأن الحرب بينهم وبين ملوك كنده لا محالة .. قال ابن الأثير : وكان يوم خزازي أعظم يوم التقت به العرب في الجاهلية .. فإن نزارا لم تكن تنتصف من اليمن ولم تزل اليمن قاهرة لها في كل شي حتى كان يوم خزازي .. فلم تزل نزار ممتنعه قاهرة لليمن في كل يوم التقوا به بعد خزازي حتى جاء الإسلام .. ولما انتصر كليب وفض جموع اليمن وهزمهم .. اجتمعت عليه معد كلها .. وجعلوا له قسم الملك وتاجه وتحيته وطاعته .. حتى بغى على قومه .. وكان من بغيه أنه كان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه .. وكان له جروا فإذا نزل بمكان فيه كلأ .. قذف ذلك الجرو فيه .. فلا يرعى أحد ذلك الكلأ امتداد عوائه .. فيختص هو به .. ويشاركهم في غيره حتى ضرب به المثل فقالت العرب : أعز من كليب وائل .. وكان يجير على الدهر فلا تخفر ذمته .. وهو القائل لما أجهز عليه عمرة بن الحارث ابن عم جساس قتله :المستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار - وبهذا اليوم انتصر أولاد معد على أولاد قحطان .. وكان حدا فاصلا لانتهاء الهيمنة .. الجنوبية اليمنية على الشمال .. فنبهت القبائل الشمالية بعد ذلك حتى جاء الإسلام – وكانت هذه المعركة من المعارك الفاصلة في التاريخ .. و كانت لها نتائج واسعة في الجزء الشرقي من جزيرة العرب وبصورة خاصة نجد و البحرين حيث سيطرت عليهما قبائل ربيعة وهي تغلب وبكر وعنزة وعبد القيس وضبيعة والنمر بن قاسط .. وتوجوا كليبا أميراً عليهم .. وبسبب هذه القبائل وانتشار عاداتها طغت لهجة عرب الشمال على سكان هذا الجزء من جزيرة العرب .. واحتلت العربية الفصحى الصدارة .. وبرز شعراؤها منذ ذلك التاريخ وعلى رأسهم المهلهل وهو عدي بن ربيعة أخو كليب بن وائل والمهلهل لقبه حيث يقال بأنه أول من هلهل الشعر .. ويذكر المؤرخون سيطرة أبناء وائل على جزر البحرين .. غير أن هذه القبائل لم تستطع أن تحافظ على وحدتها مدة طويلة فقد قتل جساس بن مرة كليب وائل .. ونشبت بين حيى بكر وتغلب حرب البسوس المشهورة التي دامت أربعين سنة .. وعلى إثر مقتل كليب تفككت رابطة قبائل ربيعة التي أضنتها حرب البسوس .. وفي أوائل القرن السادس استطاع الحارث الكندي أن يقوى سيطرته على الجزيرة العربية ويضم إلى سلطانه كثيرا من القبائل العربية .. مما أثار عليه ملك العراق الملك المنذر ابن ماء السماء الذي لا يقل عنه دهاء وحنكة .. وهكذا بدأ الصراع بين الملكين سجالا تمكن الحارث أن يبعد المنذر من الحيرة ويسيطر عليها فترة من الزمن .. ويعزو التاريخيون أن سبب احتلال الحارث للحيرة أن قباذ ملك الفرس لما اعتنق المزدكية - وهي ديانة تدعو إلى نوع من الاشتراكية في النساء والأموال .. أسسها الزعيم الديني الفارسي مَزْدَك .. وانتشرت انتشاراً واسعاً في فارس في القرن الخامس للميلاد وبخاصة بعد أن اعتنقها ملك الفرس قُباذ الأول .. لكن الكهان الزرادشتيين والنبلاء الفرس ما لبثوا أن ثاروا عليها .. فما كان من قُباذ إلاّ أن ارتدّ عنها .. وقتل مَزْدَك وأتباعه - طلب قباذ ملك الفرس - قبل أن يرتد عن المزدكية - من المنذر موافقته على اعتناقها فرفض .. ووافقه الحارث على الدخول في مذهبه الأمر الذي جعل قباذ يساعد الحارث في احتلال الحيرة التي هرب منها المنذر .. وبعد وفاة قباذ عام 531م واستيلاء ابنه كسرى انوشروان على الحكم ومطاردته لأتباع مزدك .. تمكن المنذر من استعادة ملكه في الحيرة .. وهرب الحارث بدوره منها هو وأهله إلى ارض كلب حيث قتل هناك .. وبعد أن غنم المنذر أمواله وهجانه تمكنت بنو تغلب من أسر ثمانية وأربعين رجلا من بني حجر آكل المرار .. فأمر المنذر بقتلهم .. وقد رثاهم امرؤ القيس بقصيدته التي يقول فيها : ملوك من بني حجر بن عمرو يساقون العشية يقتلونا - وبعد مقتل الحارث تقاسم بنوه الحكم على القبائل العربية .. إلا أن المنذر أخذ يدس الدسائس بين الإخوة حتي نشب الصراع فيما بينهم .. وهكذا استمال إليه القبائل العربية التي كانت تناصرهم حتى تمت للمنذر السيطرة عليهم .. 
وبعد أن استتب الأمر له قام المنذر بمساعدة كسرى انوشروان ببعض الحروب ضد الدولة البيزنطية .. و في عام 531 م زحف المنذر بجيوشه على مملكة الروم لينجد كسرى ويسانده .. لأن كسرى كان في بداية تأسيس حكمه .. وكانت دولة الروم مشغولة حينذاك بالفتح في أوروبا .. فقد اضطر القيصر جوستنيان إلى مصالحة انوشروان .. ولكن في سنة 532م تجدد القتال وذلك أثر مهاجمة المنذر للحارث الغساني .. فانتصر كسرى للمنذر وأمده بجيوش جرارة فأوغل المنذر إلى داخل أراضي الشام .. بينما انتصر الروم للحارث واشتعلت الحرب بين الفرس والروم حتى كاد كسرى أن يحتل القسطنطينية لولا توصل الطرفين إلى عقد الصلح ثانية .. 
وهكذا نجد انه في النصف الأول من القرن السادس الميلادي كانت الحياة الاقتصادية متدهورة في إقليم البحرين خاصة وجزيرة العرب عامة .. وذلك بسبب الحروب التي نشبت بين قبائل العرب بعضهم البعض من جهة وبين ملوك دولتي الفرس والروم في صراعهم بغية السيطرة على طرق التجارة البرية والبحرية من جهة ثانية .. وركز الروم جل جهدهم في اليمن التي تسيطر بحكم موقعها على باب المندب مفتاح البحر الأحمر .. ومن جراء ذلك أخذت قوافل المبشرين بالدين المسيحي تنتشر في جزيرة العرب عامة .. واليمن بصورة خاصة .. وبعض أولئك كانوا يدعون إلى الدين بنية صالحة .. والبعض الآخر يتظاهر بالدين فيمهد للسيطرة التي لأجلها فتحت الأديرة وبعض الكنائس .. وقد كان لجزيرة البحرين نصيب من ذلك حيث أسس أحد الرهبان الدير المعروف في جزيرة المحرق .. ولا تزال هذه القرية تحمل نفس الاسم – الدير- وحول هذا الدير تل عليه آثار بناء يسميه أهل القرية الراهب .. وبينما كانت الوثنية منتشرة في أجزاء الجزيرة العربية سطع نور الإسلام في أواخر القرن السادس الميلادي بولادة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حوالي عام 571 م .. ومع أواخر هذا القرن بدأت معالم حياة جديدة تبرز في تاريخ البحرين ضمن منطقة الخليج وشرقي الجزيرة العربية .. لنتذكر هنا مرة أخرى نعمتي السلام والحرية اللتين فضلهما سكان دلمون البحرين على دفع الجزية للملك انطيخوس الثالث عام 205 قبل الميلاد .. وحينما جاء الإسلام إلى " أرض البحر " وإلى مياه " زهرة الخلود " وجد بين أهالي البحرين صدورا ترحب بنوره وتتعاطف مع سلامه المشبع بحرية الإنسان وكرامته .. وحتى أوائل القرن السابع الميلادي كان الاتصال وثيقا بين البحرين والمناذرة اللخميين .. وفي حوالي عام 613 ميلادي ولت الدولة الفارسية من قبلها حكاما على البحرين من سكانها العرب فكان آخرهم المنذر بن ساوى التميمي .. وبقيت الحال كذلك إلى حين ظهور الإسلام .. بل أن الاستقلال الذاتي للبحرين قد أكدته في حينه موقعة ذى قار عام 611 ميلادي حينما انتصر العرب وأكثرهم من بني بكر بن وائل وعبدالقيس على الفرس .. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم ذى قار: هذا أوضاعها يوم انتصفت العرب من العجم وبي نصروا
ويشير ابن حجر في إصابته الى أن صلة قبائل عبد القيس القاطنة في البحرين يومئذ بالرسول صلي الله عليه وسلم كانت قبل الهجرة .. أو هي في عام هجرة النبي عليه السلام الى المدينة .. حينما بعث المنذر بن عائذ العبدي - المعروف بالأشج - ابن أخته الى مكة ليقابل الرسول ويتأكد من نبوته .. فعاد الى البحرين مسلماً .. وأسلم الأشج وكتما إسلامهما .. ومن الأمور التي لا يمكن إغفالها أنه بعد أن انتصر العرب على حملة أبرهة الحبشي عام 571 م جاء الإسلام ليؤكد انتصارهم على الروم والفرس معاً .. وامتدت الفتوحات الإسلامية العربية شرقاً وغرباً .. فشملت أنوار دين الحق البحرين .. فسجلت بذلك تحولا في تاريخ منطقة الخليج .. وكأي جزء من أطراف جريرة العرب فمن الطبيعي أن يرسل إليها رسول الله صلي الله عليه وسلم أحد قادته وهو العلاء الحضرمي ليدعو أهل البحرين إلى الإسلام .. وكان ذلك في عام 630 م .. وذلك مع حملة الدعوة إلى الإسلام من الرسول صلى الله عليه وسلم التي مضى فيها .. فقد كاتب عليه الصلاة والسلام الأمراء والملوك من العرب وغير العرب .. وقد أخبر الصحابة الرسول صلوات الله وسلامه عليه بأن الملوك لا يقبلون كتاباً مرسلا ًلهم ما لم يكن مختوماً بخاتم ملك الدولة أو أميرها .. وعندها اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً كتب عليه محمد رسول الله .. وقد ذكر البيهقي .. أن تاريخ صناعة هذا الخاتم كان في شهر المحرم 7هـ/ 629م .. وقد ذيل الرسول صلى الله عليه وسلم .. جميع رسائله بخاتمه .. ومن هذه الرسائل : الرسالة المرسلة للمنذر بن ساوي .. وعليها بصمة خاتمه .. وهذه هي البصمة المتواترة والصحيحة التي اتفق عليها علماء الأصول والسنة .. وأصل رسالة المنذر بن ساوي موجودة في قصر طوب قابي في استنبول .. واهتم بها السلطان عبدالحميد وصنع لها صندوقاً ذهبياً .. في منتصف القرن التاسع عشر للميلاد ..ونلاحظ اتساع المد الإسلامي إلى أطراف الجزيرة العربية .. بل وتجاوزها إلى ما وراء حدود الجزيرة العربية وذلك منذ عقد الرسول صلى الله عليه وسلم لصلح الحديبية مع قريش .. وما تلا ذلك من إخضاع يهود شمال الحجاز في خيبر ووادي القرى وتيماء وفدك إلى سيادة الإسلام .. فإن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يأل جهدا لنشر الإسلام خارج حدود الحجاز .. وكذلك خارج حدود الجزيرة العربية .. وقد عبر عليه الصلاة والسلام عن هذا المنهج قولاً وعملاً من خلال إرساله عددًا من الرسل والمبعوثين إلى أمراء الجزيرة العربية وإلى ملوك العالم المعاصر خارج الجزيرة العربية .. وتعد هذه الخطوة نقطة تحول هامة في تاريخ العرب والإسلام .. ليس لأن الرسول سوف يوحد عرب الجزيرة العربية تحت راية الإسلام فحسب .. ولكن لأن هؤلاء العرب بعد أن اعتنقوا الإسلام وتمثلوا رسالة السماء أنيط بهم حمل الدعوة الإسلامية إلى البشرية كافة .. ونلاحظ أيضا أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختار أسلوبًا جديدًا من أساليب الدعوة وهو مراسلة الملوك ورؤساء القبائل .. وكان لأسلوب إرسال الرسائل إلى الملوك والأمراء أثر بارز في دخول بعضهم الإسلام وإظهار الود من البعض الآخر .. كما كشفت هذه الرسائل مواقف بعض الملوك والأمراء من الدعوة الإسلامية ودولتها في المدينة .. وبذلك حققت هذه الرسائل نتائج كثيرة .. واستطاعت الدولة الإسلامية من خلال ردود الفعل المختلفة تجاه الرسائل أن تنتهج نهجًا سياسيًّا وعسكريًّا واضحًا ومتميزًا 
وأرسل صلى الله عليه وسلم أبا العلاء الحضرمي رضي الله عنه بكتابه إلى المنذر بن ساوي العبدي أمير البحرين بعد انصرافه من الحديبية .. ونقلت المصادر التاريخية أن المنذر قد استجاب لكتاب النبي صلى الله عليه وسلم .. فأسلم وأسلم معه جميع العرب بالبحرين .. أما أهل البلاد من اليهود والمجوس فإنهم صالحوا العلاء والمنذر على الجزية من كل حالم دينار .. وكان نص رسالة رسول الله صلي الله عليه وسلم للمنذر - بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد رسول الله إلى المنذر بن ساوى سلام عليك .. فإنى أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو .. وأشهد أن لا إله إلا هو .. أما بعد فإنى أدعوك إلى الإسلام فأسلم تسلم .. وأسلم يجعل لك الله ما تحت يديك .. واعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافر – والمشهور أنه أسلم في السنة التي بعث النبي صلى الله عليه وآله العلاء إلى البحرين في السنة السابعة أو الثامنة .. وقد خصه النبي صلى الله عليه وآله دون الملوك بالسلام في رسالة الدعوة إذ قال: سلام عليك .. وفي ذلك علامة علي إسلامه قبل وصول المكتوب كما قيل .. لأن بقية الملوك كان يبدأ خطابهم بقوله صلى الله عليه وآله: سلام على من اتبع الهدى .. ويقول المؤرخون تهيأت المنطقة للدخول في الإسلام .. في السنة السادسة للهجرة .. حينما بعث الرسول الصحابي الجليل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي الذي كان حاكماً على البحرين باسم الفرس .. وقد دفع العلاء بكتاب من النبي إليه .. وتقول المصادر التاريخية أن المنذر تردد .. فقال له العلاء : - يا منذر إنك عظيم العقل في الدنيا .. فلا يصغرنّ بك عن الآخرة .. إن المجوسيّة شرّ دين .. وليس فيها تكرم العرب .. ولا عظم أهل الكتاب .. ولست بعديم رأي .. فانظر لمن لا يكذب ألاّ تصدقه .. ولمن لا يخون ألاّ تأتمنه .. ولمن لا يخلف ألاّ تثق به .. فإن كان أحد هكذا فهو هذا النبي .... الخ .. فوافق المنذر على ذلك وأعلن إسلامه وقال : قد نظرت في هذا الذي بيدي من الملك .. فوجدته للدنيا .. ونظرتُ في دينكم فوجدته للدنيا والآخرة .. فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت .. وقد أسلم المنذر وعرض الإسلام على السكان فمنهم من قبل ومنهم فضل دفع الجزية .. وكتب الى الرسول كتاباً جوابياً قال فيه : أما بعد يا رسول الله : فإني قرأتُ كتابك على أهل بحرين .. فمنهم من أحبّ الإسلام وأعجبه ودخل فيه .. ومنهم من كرهه .. وبأرضي مجوس ويهود .. فأحدث في ذلك أمرك – وكان ردّ النبي صلي الله عليه وسلم على مكتوب المنذر .. بسم الله الرحمن الرحيم .. من محمد رسول الله الى المنذر بن ساوى: سلام الله عليك .. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو .. أما بعد : فإن كتابك جاءني وسمعتُ ما فيه .. فمن صلّى صلاتنا .. واستقبل قبلتنا .. وأكل ذبيحتنا .. فذلك المسلم الذي له ما لنا .. وعليه ما علينا .. ومن لم يفعل .. فعليه دينار من قيمة المُعافريّ .. والسلام ورحمة الله .. يغفر الله لك - روى أَبو مِجْلَز عن أَبي عُبَيْدة عن عبد اللّه قال : كتب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم إِلى المنذر بن سَاوَى : "مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا .. وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا .. وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا .. فَذَاكُمُ الْمُسْلِمُ " أَخرجه ابن منده .. وأَبو نُعَيم .
أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَقَاءِ مُحَمَّدُ بْنُ الْعِمَادِ الْعُمَرِيُّ .. عَنْ أَبِي الْوَفَاءِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ الْحَلَبِيِّ .. أَنْبَأَنَا السَّرَّاجُ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَادِي آشِيُّ .. الشَّهِيرُ بِابْنِ الْمُلَقِّنِ .. أَنْبَأَنَا الْحَافِظُ فَتْحُ الدِّينِ أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَيِّدِ النَّاسِ .. قَالَ : " كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيِّ مَعَ الْحَضْرَمِيِّ كِتَابًا بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الْحُديْبِيَةِ .. ثُمَّ قَالَ : ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ بِإِسْنَادِهِ .. عَنْ عِكْرِمَة .. قَالَ : وَجَدْتُ هَذَا الْكِتَابَ فِي كُتُبِ ابْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ مَوْتِهِ فَنَسَخْتُهُ فَإِذَا فِيهِ : " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى .. وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَيْهِ يَدْعُوهُ فِيهِ إِلَى الإِسْلامِ .. فَكَتَبَ الْمُنْذِرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّا بَعْدُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : فَإِنِّي قَرَأْتُ كِتَابَكَ عَلَى أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَحَبَّ الإِسْلامَ وَأُعْجِبَ بِهِ وَدَخَلَ فِيهِ .. وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ .. وَبِأَرْضِي مَجُوسٌ .. وَيَهُودٌ .. فَأَحْدِثْ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ أَمْرَكَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحَمْنِ الرَّحِيمِ : مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى : سَلامٌ عَلَيْكَ .. فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللَّهَ .. الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ .. وَأَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ .. وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. أَمَّا بَعْدُ : فَإِنِّي أُذَكِّرُكَ اللَّهَ عزَّ وَجَلَّ فَإِنَهُ مَنْ يَنْصَحْ فِإِنَّمَا يَنْصَحُ لِنَفْسِهِ .. وَمَنْ يُطِعْ رُسُلِي وَيَتَّبِعْ أمْرَهُمْ فَقَدْ أَطَاعَنِي .. وَمَنْ يَنْصَحْ لُهمْ فَقَدْ نَصَحَ لِي .. وَإِنَّ رُسُلِي قَدْ أَثْنَوْا عَلَيْكَ خَيْرًا .. وَإِنِّي قَدْ شَفَعْتُكَ فِي قَوْمِكِ فَاتْرُكْ لِلْمُسْلِمِيَن مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ .. وَعَفَوْتُ عَنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ .. وَإِنَّكَ مَهْمَا تُصْلِحُ .. فَلَنْ نَعْزِلَكَ .. عَنْ عَمَلِكَ .. وَمَنْ أَقَامَ عَلَى يَهُودِيَّةٍ .. أَوْ مَجُوسِيَّةٍ فَعَليْهِ الْجِزْيَةُ " ثُمَّ قَالَ : أَسْلَمَ الْمُنْذِرُ هَذَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. وَحَسُنَ إِسْلامُهُ .. وَمَاتَ قَبْلَ رِدَّةِ أََهْْلِ الْبَحْرَيْنِ " وَذَكَرَ ابْنُ قَانِعٍ أَنَّهُ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. قَالَ أَبُو الرَّبِيعِ بْنُ سَالِمٍ لا يَصِحُّ ذَلِكَ .
وعن مواقفه مع الصحابة .. فقد حضر عنده في مرضه عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال له: يا عمرو .. هل كان رسول الله يجعل للمريض شيئًَا من ماله ؟ قال : نعم .. الثلث .. قال : ماذا أصنع به ؟ قال : إن شئت تصدقت به على أقربائك .. وإن شئت على المحاويج .. وإن شئت جعلته صدقة من بعدك حبسًا محرمًا .. فقال : إني أكره أن أجعله كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام .. ولكني أتصدق به .. ففعل ومات .. فكان عمرو بن العاص يتعجب منه .
ومن الأحاديث التي رواها عن النبي صلي الله عليه وسلم :عن زيد بن أسلم .. عن المنذر بن ساوى أن النبي كتب إليه أن افرض على كل رجلٍ ليس له أرض أربعة دراهم وعباءة
أما أبناء المنذر بن ساوى فمنهم .. الشاعر والقائد المسلم خُليد بن المنذر بن ساوى الدارمي .. اهتم أبيه به منذ صغره بتعليمه نظم الشعر وفنون الحرب .. وقد كان خليد بن المنذر ملازماً للصحابي العلاء بن الحضرمي منذ أن قدِم على أبيه بكتاب من الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوه للإسلام .. ووفد خُليد بن المنذر بن ساوى على الرسول صلى الله عليه وسلم مابين سنة 8 إلى 11 هـ 
ومات المنذر رحمه الله في سنة وفاة النبي صلى الله عليه وآله أو قريب منها .. فقد توفي رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه والمنذر بن ساوى رضي الله عنه في سنة إحدى عشرة من الهجرة .. فقد اشتكيا في شهر واحد .. ثم مات المنذر بعد النبي بقليل .. وأمر وفاته وما جرى بعده فيه غموض .. رحم الله المنذر بن ساوي رحمة واسعة ورضي الله عنه وعن صحابة رسول الله أجمعين ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق