الأحد، 26 نوفمبر 2017

الصحابي الجليل أبو سفيان المدلجي بقلم الرائع د. صالح العطوان الحيالي



الصحابي الجليل أبو سفيان المدلجي الكناني" سراقة بن مالك " رضي الله عنه.. طارد الرسول في الهجرة .. وحقق نبؤته في كسري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي 26-11-2017
سراقة بن مالك المدلجي الكناني، سيد بني مدلج وأحد أشراف قبيلة كنانة وصحابي جليل قائف يقتص الأثر لحق بالرسول محمد وصاحبه أبي بكر الصديق في الهجرة وهو يومئذ مشرك طمعا في جائزة قريش، فلما وصل للرسول انغرست قدما فرسه في الوحل فطلب من رسول الله أن يدعوا الله لينجيه مما هو فيه على أن يرجع عنهم ويعمي عنهم الطلب فدعا له رسول الله ثم قال له:
كيف بك إِذا لبست سِوَارَيْ كسرى ومِنْطَقَتَه وتاجه، فقال سراقة: كسرى بن هرمز؟ فقال رسول الله : نعم ....ثم انصرف سراقة، فلما فتح سعد بن أبي وقاص المدائن في زمن خلافة عمر بن الخطاب، أرسل سواري كسرى وتاجه ضمن الغنائم إلى الخليفة فتحقق لسراقة وعد النبي له حيث ألبسه عمر سواري كسرى
حياته في الجاهلية 
ــــــــــــــــــ كان سيدًا من سادة العرب وسيد قبيلة مدلج الكنانية في الجاهلية وشريف من أشراف العرب المرموقين وواحدًا من أصحاب المروءات المعدودين، يطعم الجائع ويؤمن الخائف ويجير المستجير وهو أيضا شاعر مخضرم، ولسيادته وشرفه كانت العرب تجله فلما أرادت قريش الخروج لبدر قبل المعركة خشوا أن يأتيهم بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة وكان بين قريش وبني بكر ثأرات في الجاهلية فمالوا إلى عدم الخروج إلى بدر لكن إبليس تمثل لهم في صورة سراقة بن مالك وقال لهم:
أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه 
وكان سراقة ينزل مع قومه بني مدلج في وادي قديد وكان بنو مدلج يعرفون بأنهم قفاة العرب وأهل القيافة فكان الوحيد من أهل الطلب الذين استطاعوا اللحاق بالنبي محمد وأبي بكر الصديق ودليلهما عبد الله بن أريقط الليثي الكناني ويقال أنه سكن مكة ويقال بل هو من أهل المدينة.
وكان سراقة شاعرا وهو القائل لأبي جهل:
أَبَا حَكَمٍ وَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ شَاهِدًا لِأمْرِ جَوَادِي إِذْ تَسُوخُ قَوَائِمُهْ
عَلِمْتَ وَلَمْ تَشْكُكْ بِأَنَّ مُحمَّدًا رَسُولٌ بِبْرهَانٍ فَمَنْ ذَا يُقَاوِمُهْ
عَلَيْكَ بِكَفِّ القَوْمِ عَنْهُ فإِنَّنِي أَرَى أَمْرَهُ يَوْمًا سَتَبْدُو مَعَالِمُهْ
بِأَمرٍ يَوَدُّ النَّاسُ فِيهِ بِأَسْرِهمْ بِأَنَّ جِميعَ النَّاسِ طُرًّا يُسَالِمُه
نشط كفار قريش في تحميس كلِّ أهل مكة للقبض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه، ونشط الوصوليون، وأصحاب المصالح، والراغبون في الثراء السريع، وبحثوا في كل مكان، ولم يُوَفَّقُوا جميعًا إلا واحدٌ! سراقة بن مالك!
قريش تعلن الجائزة الكبرى
ـــــــــــ عن سُرَاقَة بْنِ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ؛ فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ. قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا، ثمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ.
الله يحفظ نبيه من سراقة
ــــــــــــــ وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا فَقُمْتُ، فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَى كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الأَزْلاَمَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرُّهُمْ أَمْ لاَ؛ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي -وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ- تُقَرِّبُ بِي، حَتَّى إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ لاَ يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا ثمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ
لما أرادت قريش أن تخرج لمحاربة رسول الله صل الله عليه وسلم في بدر .. تذكروا أنه كان بينهم وبين بني كنانة ثأرا .. فخافوا إن هم خرجوا أن يخلفوهم في ديارهم .. فجاء إبليس وتصور في صورة سراقة بن مالك .. وقال لهم : لا تخافوا منهم .. أنا جار لكم لن يأتيكم منهم شر .. وخرج معهم .. ويقول ابن كثير: خرج إبليس برايته .. وبجند معه بالرايات ومشوا حتى قاربوا أرض بدر .. وكان مع عمرو بن مالك النضري .. فماذا حدث هناك وهل ظهر إبليس علي حقيقته ؟ أم ماذا فعل ؟ ومن هو سراقة بن مالك ؟ وماذا حدث بينه وبين رسول الله صل الله عليه وسلم في الهجرة ؟ وماذا كتب له أبو بكر الصديق رضي الله عنه بأمر من رسول الله صل الله عليه وسلم ؟ وبماذا وعده رسول الله صل الله عليه وسلم ؟ وهل تحقق هذا الوعد ؟
هو الصحابي الجليل أبو سفيان المدلجي الكناني : سراقة بن مالك بن جُعشُم بن مالك بن عمرو بن تيم بن مدلج بن مرة بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضربن نزار بن معد بن عدنان من نسل نبي الله إسماعيل ابن خليل الله إبراهيم عليهما السلام .. يكنى أبا سفيان وكان فارسا من فرسان قومه .. طويل القامة .. عظيم الهامة .. بصيرا باقتفاء الأثر .. صبورا على أهوال الطرق .. وكان إلى ذلك أريبا .. لبيبا .. شاعرا .. وكان سيدًا من سادة العرب .. وسيد قبيلة مدلج الكنانية في الجاهلية وشريف من أشراف العرب المرموقين وواحدًا من أصحاب المروءات المعدودين .. يطعم الجائع ويؤمن الخائف ويجير المستجير وهو أيضا شاعر مخضرم .. ولسيادته وشرفه كانت العرب تجله .. وكان سراقة ينزل مع قومه بني مدلج في وادي قديد - موضع قرب مكة - وكان بنو مدلج يعرفون بأنهم قفاة العرب وأهل القيافة .. ويقال أنه سكن مكة ويقال بل هو من أهل المدينة .. وحينما مكرت قريش بالنبي صلى الله عليه وسلم وأجمعت على قتله .. خرج مع صاحبه ابو بكر الصديق رضي الله عنه مهاجرا إلى المدينة .. فبثت قريش عيونها في سبل مكة وشعابها بحثا عنهما .. فنفضوا الصحراء نفضا فما وقعوا له على أثر . وحينما يئست قريش أن تقبض على النبي صلى الله عليه وسلم وضعت جائزة مائة رأس من الإبل لمن يأتيها بمحمد صلى الله عليه وسلم حيا أو ميتا .. وسراقة بن مالك رضي الله عنه كان في بعض أندية قومه قريبا من مكة .. فإذا برجل يدخل عليهم .. ويذيع فيهم نبأ الجائزة .. فما كاد سراقة رضي الله عنه يسمع بالنوق المائة حتى سال لعابه .. واشتد عليها حرصه .. ولكنه كان ذكيا جدا .. فضبط نفسه .. ولم يفه بكلمة واحدة حتى لا يلفت نظر الآخرين .. وقبل أن ينهض سراقة رضي الله عنه من مجلسه .. دخل على مكان وجوده رجل يقول :واللهِ لقد مر بي الآن ثلاثة رجال .. وإني لأظنهم محمدا وأبا بكر ودليلهما عبد الله بن أريقط الليثي الكناني ..
فقال سراقة رضي الله عنه إنهم بنو فلان مضوا يبحثون عن ناقة لهم أضلوها .. يريد أن يصرف الناس عن هذه الجائزة .. فقال الرجل : لعلهم كذلك .. وسكت .. مكث سراقة رضي الله عنه قليلا حتى لا يثير اهتمام أحد .. فلما دخل القوم في حديث آخر انسل من بينهم .. ومضى خفيفا مسرعا إلى بيته .. وأسر لجاريته بأن تخرج له فرسه في غفلة من أعين الناس .. وأن تربطه له في بطن الوادي .. وأمر غلامه بأن يعد له سلاحه .. وأن يخرج به خلف البيوت حتى لا يراه أحد .. وأن يجعل السلاح في مكان قريب من الفرس .. ولبس سراقة رضي الله عنه درعه .. وتقلد سلاحه .. وركب صهوة فرسه .. وطفق يغذ السير ليدرك محمدا صلى الله عليه وسلم قبل أن يدركه أحد سواه .. ويظفر بجائزة قريش .. ومضى سراقة رضي الله عنه يطوي الأرض طيا .. لكنه ما لبث أن عثرت به فرسه وسقط عن صهوتها ، فتشاءم .. وقال :ما هذا ؟ تبا لكِ من فرس .. وعلا ظهرها .. غير أنه لم يمضِ بعيدا حتى عثرت به مرة أخرى .. فازداد تشاؤما .. وهم بالرجوع .. فما رده عن همه إلا طمعه بالنوق المائة .. فلم يبتعد سراقة رضي الله عنه كثيرا عن مكان عثور فرسه حتى أبصر محمدا صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه .. فمد يده إلى قوسه .. ولكن يده جمدت في مكانها .. ثم رأى قوائم فرسه ساخت في الأرض .. فدفع الفرس فإذا هي قد ساخت ثانية في الأرض .. كأنما سمرت بمسامير من حديد .. فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه وقال بصوت ضارع .. وقد أدرك لا بعقله ولكن بفطرته أن خالق الكون مع محمد صلى الله عليه وسلم .. فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه وقال بصوت ضارع: يا هذان ادعوا لي ربكما أن يطلق قوائم فرسي ولكما علي أن أكف عنكما
فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فأطلق الله له قوائم فرسه فأطلقت وتذكر سراقة رضي الله عنه المائة ناقة .. فما لبثت أطماعُه أن تحركت من جديد .. فدفع فرسه نحوهما فساخت قوائمها هذه المرة أكثر من ذي قبل .. وهذه للنبي معجزة .. فاستغاث بهما للمرة الثانية وقال :إليكما زادي .. ومتاعي .. وسلاحي .. ولكما علي عهد الله أن أرد عنكما من ورائي من الناس .. فقالا له : لا حاجة لنا بزادك ، ومتاعك ، ولكن رد عنا الناس .. ثم دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فانطلقت فرسه .. فلما هم بالعودة ناداهم قائلا :تريثوا أكلمكم .. فوالله لا يأتيكم مني شيء تكرهونه .. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " ما تبتغي منا ؟ " فقال رضي الله عنه :والله يا محمد إني لأعلم أنه سيظهر دينك .. ويعلو أمرك فعاهدني إذا أتيتك في ملكك أن تكرمني .. واكتب لي بذلك .. أريد وثيقة .. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الصديق رضي الله عنه فكتب له على لوح عظم .. ودفعه إليه .. ولما هم بالانصراف قال له النبي صلى الله عليه وسلم .. ويبدو أن هذا وحي من الله .. قال له :كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى ؟ .. فقال سراقة رضي الله عنه في دهشة : كسرى ابن هرمز ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نعم كسرى بن هرمز ".. وعاد سراقة رضي الله عنه أدراجه .. فوجد الناس قد أقبلوا ينشدون رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقال لهم ارجعوا فقد نفضت الأرض نفضا بحثا عنهم .. فلا تغلبوا أنفسكم .. لم أعثر على أحد .. وأنتم لا تجهلون مبلغ بصري بالأثر .. فرجعوا .. ثم كتم خبره مع محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى أيقن أنهما بلغا المدينة .. وأصبحا في مأمن من عدوان قريش .. عند ذلك أذاع الخبر .. فلما سمع أبو جهل بخبر سراقة رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وموقفه منه لامه على تخاذله وعنفه وعنف جبنه وتفويته الفرصة .. فقال يجيبه على ملامته :
أبا حكم والله لو كنت شاهدا --- لأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمدا --- رسـول برهان فمن ذا يقاومه
عليك بكف القوم عنـه فإنني --- أرى أمـره يوما ستبدو معـالمه
وفي غزوة بدر ساهم إبليس لعنة الله عليه في هذه الغزوة .. وبالطبع وكانت مساهمتة من الطرف الآخر.. لما أرادت قريش أن تخرج تذكروا أنه كان بينهم وبين بني كنانة ثأر.. فخافوا إن هم خرجوا أن يخلفوهم في ديارهم .. فجاء إبليس وتصور في صورة سراقة بن مالك .. وقال لهم: لا تخافوا منهم .. أنا جار لكم لن يأتيكم منهم شر .. وخرج معهم .. ويقول ابن كثير: خرج إبليس برايته .. وبجند معه بالرايات ومشوا حتى قاربوا أرض بدر.. وكان مع عمرو بن مالك النضري .. فلما رأى نزول الملائكة إذا به يسُلّ يده منه .. ويقول : إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله رب العالمين .. فجعل عمرو بن مالك يناديه: يا سراقة ! يا سراقة ! ألم تعاهدنا أنك تكون معنا؟! ألم تعاهدنا على النصرة؟! فلم يجبه ومر في طريقه حتى نزل البحر .. فلما سمع بذلك أبو جهل قال : لا يضرنكم انسحاب سراقة .. لقد كان على موعد مع محمد .. وهكذا ساهم في إخراجهم .. وتكثير عددهم ليكون ذلك أنكى على قريش وأكثر لغنائم المسلمين .. وها هي الملائكة تنزل .. وها هي السماء تمطر.. وها هي الأرض تتلبد .. وها هو النعاس يأتي .. عوامل نصر متعددة من جميع الجوانب.. انتهت بانتصار رسول الله صل الله عليه وسلم والمسلمين علي كفار قريش في غزوة بدر ، جعل سراقة رضي الله عنه يردد مقولة النبي صلى الله عليه وسلم له : " كيف بك يا إذا لبست سواري كسرى ".. دون أن يخامره شك في أنه سيلبسهما .. ثم دارت الأيام دورتها كرة أخرى .. وآل أمر المسلمين إلى الفاروق رضي الله عنه .. وهبت جيوش المسلمين في عهده المبارك على مملكة فارس .. فطفقت تدك الحصون .. وتهدم الجيوش .. وتهز العروش .. وتحرز الغنائم .. وفي ذات يوم من أواخر أيام خلافة عمر رضي الله عنه قدم على المدينة رسل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يبشرون خليفة المسلمين بالفتح .. ويحملون إلى بيت مال المسلمين خمس الفيء الذي غنمه الفاتحون .. فلما وضعت الغنائم بين يدي عمر رضي الله عنه نظر إليها في دهشة .. فقد كان فيها تاج كسرى المرصع بالدر .. وثيابه المنسوجة بخيوط الذهب .. ووشاحه المنظوم بالجوهر .. وسواراه اللذان لم تر العين مثلهما قط .. ومالا حصر له من النفائس الأخرى .. فجاء عمر رضي الله عنه يقلب هذا الكنز الثمين بقضيب كان بيده .. ثم التفت إلى من كان حوله .. وقد اغرورقت عيناه بالدموع .. وإلى جانبه علي بن أبى طالب رضي الله عنه فقال له : ما الذي يبكيك ؟ 
فقال رضي الله عنه : إن قوما أدوا هذا لأمناء حقا .. تاج كسرى ثمنه مئات الملايين .. لو أن هذا الذي أخذه ذهب به إلى أنطاكية لعاش أغنى الأغنياء .. فأجابه علي رضي الله عنه بكلمة لا تنسى مدى الحياة قال له :يا أمير المؤمنين .. لقد عففت فعفوا .. ولو وقعت لوقعوا 
ودعا الفاروق رضي الله عنه سراقة بن مالك رضي الله عنه فألبسه قميص كسرى .. وسراويله .. وقباءه .. وخفيه .. وقلده سيفه .. ومنطقته .. ووضع على رأسه تاجه .. وألبسه سواريه .. عند ذلك هتف المسلمون : الله أكبر الله أكبر .. لقد تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم التفت عمر إلى سراقة رضي الله عنهما وقال له :بخ بخ يا سراقة أعرابي من مدلج على رأسه تاج كسرى .. وفي يديه سواراه ثم رفع عمر رضي الله عنه رأسه إلى السماء ، وقال :اللهم إنك منعت هذا المال لرسولك .. وكان أحب إليك مني .. وأكرم عليك .. ومنعته أبا بكر .. وكان أحب إليك مني وأكرم عليك .. وأعطيتنيه .. وأعوذ بك أن تكون قد أعطيتنيه لتمكر بي ،ثم لم يقم من مجلسه حتى قسمه بين فقراء المسلمين 
وفي ذلك ذكر الحافظان ابن عبد البر وابن حجر -رحمهما الله - في ترجمتهما لسراقة بن مالك - رضي الله عنه - فقالا: "روى سفيان بن عيينة عن أبي موسى عن الحسن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال لسراقة: .. وذكره : "قال فلما أُتي عمر -رضي الله عنه - بسواري كسرى ومنطقه وتاجه دعا سراقة بن مالك فألبسه إياهما .. وقال له: ارفع يدك .. فقال: الله أكبر والحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز .. وألبسهما سراقة الأعرابي"
روى سراقة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث ومات سنة أربع وعشرين للهجرة في خلافة عثمان بن عفان .. وقيل مات بعد عثمان.. رحمه الله تعالي رحمة واسعة ورحم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق