الأحد، 19 نوفمبر 2017

إلى الغائبة التي لا تغيب بقلم الرائع خالد سليمان



إلى الغائبة التي لا تغيب ، وإلى الراحلة التي لم ترحل ، إلى زوجتي رحمها الله : أهديها تلك الخاطرة التي جالت بخاطري حين جلست في مكان جمعنا أياما كثيرة ، ولم أزره بعد وفاتها إلا أمس :
-*-*-*-*-------------------***********-----------*-*-*-*-
كنّا هنا يوما ما :*بقلم وألوان الأديب : خالد سليمان
************************************************
كنّا هنا يوما ما ، خطوت هنا كحديقة تمشي على قدمين 
طاووس يمشي بجواري ، ثمّ ما يلبث حتى يسكن قلبي ويطلّ من نافذتي عينيّ
أميرة أنت تخطرين بجانبي ، ويتأملك القمر فيهمس أهلا بقمر الأرض 
وأغار منه فألمس أناملك اللؤلؤية ؛ لأعلن له أنّك قمري الوسيم
فيستحي القمر من نظرتي قائلا : أنا أرحّب بها فقط 
أراك بأناقتك الرائعة التي تبهج القلب والعين والأذن 
أمامنا النيل النائم قبل أن يراك وما يلبث أن تجري أمواجه نحوك كطفلة عائدة إلى أحضان أمّها
وها هي الأمواج تتهلّل مرحبة بك تجري لتلاحق رداءك الأنيق
وأنت تداعبينها برقّتك المعهودة وتجرين أمامها كأنّك خائفة منها
وأنا أرافق أطراف أناملك أشاركك الخوف المفتعل 
تستيقظ طفولتك أمام موجة وتبتسم أمام محارة أنيقة 
وتحلم وترنو حين يداعبها القمر
أعشق طفولتك ، وحدك التي أكدت لي أنّ مراحل العمر حالة ولا تحسب بالعمر
فما أعذب طفولتك حين ترين أمواج البحر !
وما أرقّها حين أهديك وردة بنفسجية وأنت تضمينها إلى صدرك ! ، وتقو لين : الله كم أحبّك !
وما أجملك حين ترين فراشة مزركشة ! 
، تتحولين لحظتها إلى فراشة أنيقة ، 
ولا أدري من الفراشة فيكما ؟ لولا همسك لي حين تقولين ضاحكة : لا تمسك ردائي 
وما أجمل ملامحك حين تلتقطين بهاتفك أجمل الصور !
ساعتها أترك الدنيا كلذها ، وألتقط لك صورة ، 
وحين تكتشفين ذلك تبتسمين وتقولين : أمامك الدنيا النيل والنخيل والخضرة وقرص الشمس فالتقط صورا لها
فيكون ردّي : أنت عندي أغلى وأجمل من كلّ هذه الدنيا
ليتني ساعتها التقطت لك ملايين الصور 
ليتني ما ضيّعت لحظة دون أن أكون بقربك 
لأملأ إناء روحي بأجمل ما رزقني الله ، وأجمل من جعلها الله لي من دون البشر 
ليتني ما ابتعدت عنك خطوة ولا فارقتك لحظة 
الآن تأكل قلبي مخالب الأحزان تمضغه أنياب الفراق
تدوسني أقدام الوحدة وتلقي بي في زاوية الغرفة 
فأنطوي على حالي وأبكي 
وحده البكاء الذي يعطيني شيئا من الأنس حين تنهلّ دموعي كشلال يخرج من سمّ الخياط
فأشعر أن أحدا يطرق باب ملامحي حتى لو كانت الدموع 
ما أقسى ملامح المكان الآن !!!
الموج مات ، وتحوّل الموج إلى قباب قبور 
والنخيل نكّس رأسه وذرف دمعه
وطريقنا الملتوي بين الأعشاب بهتت ملامحه ، وجفّت على الجانبين خصلات شعره
والنخلة الأنيقة التي كنّا نستند إليها صاحبة أجمل تسريحة قد ملأ الدمع عينيها تسألني : أين حبيبتك ؟ أين نخلتك الأنيقة ؟؟ وأين حبيبة قلبي ؟؟
وأنا أطرق بملامحي في الأرض وأقول : غابت 
فتجري دموعها على ملامحها أنهرا
أقف الآن أمام لوحة رائعة الحسن لكن هجرها الحسن منذ غبت
أين الشعور بحسنها وجمالها الآن ؟
جفّ ضرع الحسن منذ غبت 
وذبلت وردة الجمال منذ غبت 
أين روح المكان ؟؟ كأنّي أزور مقابر بلدتنا
حبيبتي ، هل رحلت وأخذت روح المكان معك ؟؟
نعم أخذت روح الزمان وروح المكان معك
فقد الزمان ساعة حائطه منذ غبت 
زمني بلا زمن ، ومكاني بلا مكان 
تطوف عيناي في المكان تتذكّر لفتاتك
وتتذكّر همساتك ، هنا رأيت جرادة فجريت نحوي فاحتضنتك لأطمئنك ؛ فاحتضنت القمر 
وهنا قلت : الله لو كان بيتنا في هذا المكان 
وهنا همست لي : انظر تلك اللوحة الربّانية الرائعة ، ورددنا معا سبحان البديع !
الآن كلّ شيء تخشّب وتصخّر
أسحب ستار نظرتي وأطفئ ملامحي بكفيّ وأهمس : 
اللهمّ ارحمها يارب اللهم ارحمها
اللهمّ اجعلها في أحلى مكان ومع أغلى رفقة 
اللهم اجعل قبرها جنّة تغار منه الجنّات يارب 
اللهم ارحم أبي وأمّي وزوجتي 
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
بقلم ودموع :*خالد سليمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق