الخميس، 17 أغسطس 2017

الرّبّان العربيّ الشّهير ابن ماجد لقلم الرّائع د. صالح العطوان الحيالي

الربان العربي الشهير ابن ماجد ( 838هـ/ 1434م)
ـــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي 14.8.2017 
شهاب الدين أحمد بن ماجد، ربّان عربي اشتهر أمره، وذاع صيته في النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي، وسلسلة نسبه كما ذكرها هي: شهاب الدين أحّمد بن ماجد بن محمد بن عمرو بن فضل ابن أبي معلق السعدي بن أبي الركائب النجدي، كان مولده بجلفار على الساحل العربي لخليج عمان .
وكان والده ربّاناً معروفاً لقب ربّان البرين أي (برّ العرب وبرّ العجم) وقد دوّن تجاربه وخبراته في مصنف دعاه «الأرجوزة الحجازية»، وتحوي أكثر من ألف بيت ينحصر موضوعها في وصف الملاحة على سواحل البحر الأحمر، أما ولده أحمد فقد نشأ في رعاية أبيه، واستفاد من خبراته في عالم الملاحة، وفاقت شهرته شهرة والده، وكان يكنى بالمعلّم، وبشهاب الدنيا والدين، وبأسد البحر، وقد دعا نفسه بناظم القبلتين: مكّة وبيت المقدس، حاجّ الحرمين الشريفين وأسد البحر الزخّار، والمعلّم العربي، ويُعدّ رابع أربعة من أشهر العالمين في البحر؛ وهم: محمّد بن شاذان، وسهل بن أبان، وليث بن كهلان، ولكنه فاقهم في معلوماته وخبراته، وقال عنهم: إن خبرة هؤلاء الرجال محدودة فهم لم يركبوا البحر إلا من سيراف على الخليج العربي إلى بر مكران الواقع على ساحل السند.
كان أحمد بن ماجد معروفاً بتقواه وعزّة نفسه وزهده بالمال، وكان يبدأ رحلاته البحرية بالصلاة، ويطلب من الملاحين والربابين المحافظة على النظافة والطهارة بقوله: «إذا ركبت البحر ينبغي عليك الالتزام بالطهارة فإنك في السفينة ضيف من أضياف الباري عز وجل فلا تغفل عن ذكره». وإضافة إلى ورعه وتديّنه لم يهمل أحمد بن ماجد وهو في مقتبل العمر أن يثقف نفسه بما يخدم مهنته، فقد نال نصيباً من علم الحساب العربي والهندي والزنجي، وحساب أهل جاوة والصين، ويقول في ذلك :
قدْ راحَ عمري في المطالعـاتِ ....... وكثرةِ التَّسـآل في الجـهاتِ
وكمْ نظرتُ في الحسابِ العربي ..... وحسبةِ الهندِ مـذْ كنتُ صبي
فلـمْ أرَ فـي اتـِّفاقِ أصـلي ....... في القمرِ والزِّنج صحيحَ النَّقلِ
كان أحمد بن ماجد معروفاً في السواحل الشرقية لإفريقيا لكثرة ما يتردد عليها، وهناك تعرّفه الملاح البرتغالي فاسكو دوغاما بعد وصوله إلى ملندي عام 1498 الواقعة على ساحل ملبار، وكان مكلّفاً البحث عن الطريق الموصل إلى الهند للحصول على التوابل، وتمكّن دوغاما من إقناع ابن ماجد - وكان يسمى هناك بالمعلم كانكا- بقيادة السفن البرتغالية عبر المحيط الهندي إلى كلكتا التي وصلها شهر نيسان عام 1498. واللفظ كاناكا هو المصطلح الذي استعمل في ملبار؛ ليدل على اللفظ السنسكريتي أي الخبير بالشؤون الملاحية والفلكية، وقد تبين فيما بعد أن الشخص المقصود هو أحمد بن ماجد، وكشف عن ذلك مؤلّف عربي هو قطب الدين النهروالي، وأكد ذلك المستشرق الفرنسي غابرييل فران بقوله: «إن أحمد بن ماجد هو الذي قاد أسطول فاسكو دوغاما إلى الهند، وذلك بعد دراسته مخطوطاً لقطب الدين النهروالي بعنوان: «البرق اليماني في الفتح العثماني»، ويرجع تاريخه إلى عام 1577م».
وبغضّ النظر عن كون ابن ماجد هو الذي أرشد دوغاما إلى طريق الهند أو سواه؛ إلا أنه من المؤكّد أن أحمد بن ماجد كان من أكثر الربابين معرفة في الملاحة البحرية وخاصة تلك التي في المحيط الهندي؛ والتي تقوم بين الساحل الشرقي لإفريقيا والسواحل الغربية للهند، استخدم ابن ماجد في أعماله الملاحية أدوات عدة منها: الأسطرلاب، وربع الدائرة أو المربّع ووردة الرياح والحقّة أي البوصلة، وجعل قرصها 32 قسماً؛ وهو ما يسمى خنّاً، وكل خن عند ابن ماجد يمثل 7 أصابع؛ وبذلك تصبح دائرة البوصلة مقسّمة إلى 224 إصبعاً أو درجة، خلافاً لما عند بطلميوس الذي جعلها 360ْ درجة، ويذكر ابن ماجد بعض اختراعاته، فيقول: «ومن اختراعنا في علم البحر: تركيب المغناطيس على الحقة نفسه، ولنا فيه حكمة لم تودع في كتاب»، ويثبت هذا الرأي أن الملاح الإيطالي «فلافيو جيولا» لم يكن أول من ابتكر تعليق الإبرة الممغنطة على محور؛ لتتحرك حركة حرة، بل سبقه في ذلك ابن ماجد، الذي كان يختار المكان المناسب لتثبيت الإبرة في أثناء وضع السفينة وهي على البر بحيث يحكم فيه اتزان الإبرة، ويحقق استقرارها حتى مع حركة السفينة وقلقلتها بسبب هياج البحر والأمواج، ولابن ماجد آراء مبتكرة في كيفية تفصيل القلوع للمراكب وبيان أبعادها وطريقة صفّها وشدّها على الصواري.
أراد ابن ماجد نقل خبراته في أمور البحر إلى من سيأتي بعده في مضمار الملاحة، وقد دفعه ذلك إلى تأليف عدّة أراجيز وكتب، ومن أشهرها كتاب: «الفوائد في أصول علم البحر والقواعد في العلوم البحرية»، وهو يشتمل على اثنتي عشرة فائدة، رأى فيه فيراند G.Ferrand أثراً يدعو إلى الإعجاب، وعدّه ذروة التأليف الفلكي الملاحي لعصره، كما عدّ ابن ماجد أول مؤلف للمرشدات البحرية الحديثة ووصفه للبحر الأحمر لم يفقه، بل لم يعادله باستثناء بعض التصحيحات في العروض أيّ مرشد أوربي في الملاحة الشراعية كما أن معلوماته عن الرياح الموسمية والرياح المحلية وطرق الملاحة الساحلية والبعيدة المدى تتميز بأقصى درجة من الدقة والتفصيل يمكن أن نتفق عليها في ذلك العصر.
والكتاب الثاني هو «حادية الاختصار في أصول علم البحار»، ويحتوي على 1082 بيتاً، وقد صاغها ابن ماجد قبل تأليفه لكتاب «الفوائد»، أما الأراجيز فهي تربو على العشرين أرجوزة متفاوتة في عدد أبياتها، وجميعها تتعلق بأمور البحر والقياسات وخاصة قياس النجوم المشهورة والقياسات الفلكية، ووصف المجاري وقياساتها من الهند إلى سيلان.
وقد ذكر بعض المواصفات التي يجب أن تتوافر بالربان؛ ليكون ناجحاً في عمله، منها:
الإلمام بالعلوم الرياضية والفلكية، ومعرفة قواعد الملاحة الأساسية، الإلمام بآلات الرصد والقياس وطرق استعمالها، ومعرفة حالة البحر والأنواء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق