الأحد، 7 أبريل 2019

هي والانتظار بقلم الرائع هاني الشوبكي



#هي ... و الانتظار
دقت الساعة الثانية عشر في منتصف الليل ... و هي ما زالت تنتظر قدومه بكل لهفة و اشتياق ... كلما أحست بهمس أو تخيلت سماع صوت أقدام تأتي من بعيد .. يرتجف قلبها و تتصارع دقاته .. تأخذ أنفاسها بسرعة .. تنطق شفتيها دون أن تتحدث .. جلست تحدث نفسها .. ما سبب تأخيره عنها ؟ .. الملل يقطع من عينيها الدامعة الخائفة قطع من الخوف و اليأس ... تخاف أن لا يأتي بعد انتظار سنوات .. و في لحظة من لحظات الأمل القادم من أعماق مشاعرها .. تذكرت آخر لقاء بينهما و كيف كان اللقاء بكل تفاصيله .. فما زالت ملامحه تراود ذاكرتها المتسولة على أرصفة الفكر .. ما زالت محتفظة بكل شئ بينهما .. و في هذه اللحظات رمقت برمش عينيها صورته المعلقة على الجدران .. تتأمل ملامحه و تحدث الصورة بكل جوانحها .. و ها هي الآن في لحظة ترقب ... لحظة اشتياق .. لحظة أمل يعيد لها الحياة من جديد .. كل شئ من حولها ثابت لا يتغير ..لم يتبقى سواها تدور في دائرة الذاكرة المحتلة لعقلها منذ سنوات ... الذاكرة التي كانت كل يوم تنهش من جسدها الضعيف كل يوم قطعة .. حتى أصبحت كأوراق الشجر في الخريف تتساقط من عمرها كل يوم ذكرى ملقاة على أرض الأحلام .. و فجأة : استيقظت من غيبوبتها الحالمة على صوت أحد هناك يطرق الباب .. تقدمت نحو الباب ببطء شديد و كأنها تخشى شئ ما .. تقدمت و هي ترتجف رجفة انعاش لقلبها .. مدت يديها لتفتح الباب و كأنها تنتشل جثة الأيام و الانتظار من بحر الأوهام .. و عندما فتحت الباب : وجدت شخص ما غريب عنها .. سألها عن اسمها ؟ فأجابته بإيماءة رأس نعم أنا هي : أعطاها الرسالة و رحل .. أغلقت الباب بسرعة و قامت بفتح الرسالة بعد أن أخذت نفس عميق جدا .. فوجدت مكتوب بداخلها " أعتذر عن الحضور فـ كل شئ نصيب " ... راحت تقرأ الرسالة مرات و مرات و قدماها ثقيلتان لم تستطيعا الصمود ... حتى سقطت على الأرض مغشى عليها ... و بيديها الرسالة و اصابعها الرقيقة تتمايل كالنسيم .. و في عينيها دمعة غائبة في معقل الدموع ... نعم انتظرته سنوات و سنوات و في النهاية قضى عليها الانتظار .. و كأن الرسالة كانت بمثابة رصاصة الرحمة التي قتلت آخر أمانيها 
.الانتظار : 
هو الموت القاتل ببطء.. نشعر بأوراحنا و كأنها تصعد للسماء و تهبط للأرض ... يشبه في طياته الحنين و العذاب في نفس الوقت ... الانتظار قد يكون نهايته رحمة أو ألم ... قد ننتظر و يطول الانتظار بلا فائدة ... قد ننتظر و نشتاق لانسان غائب أو بعيد عنا .. نشتاق لسماع صوته و رؤيته أو حتى أن نعرف أخباره من الغير ... كم منا من انتظر كثيرا .. و من منا لا يلتفت للهاتف في كل دقيقة منتظر رسالة أو مكالمة .... كثيرا ما نشتاق الأشياء و لا تأتي .. قد ننتظر قدوم الفرحة من القدر ... و قد ننتظر قدوم شئ لا نريده .. و المؤلم حقا أن تنتظر شئ و أنت تعلم بداخلك أنه لن يأتي ... و لكنك تشعر بمتعة الألم في انتظاره و كأنه حلم بداخلك ... كذلك انتظار الموت يجعلك تموت قبل أن يأتي الموت إليك ... فهناك الكثير من الناس يعيشون بأجسادهم فقط بدون الروح .. وكأنهم أشباح ... يسيرون على الأرض بدون احساس ... الانتظار هو الانتظار ... قد يعلمنا الصبر .. و قد يقتلنا ببطء دون أن ندري.. الفراق لن يقتلنا .. و لكن الانتظار قد يقطعنا قطع صغيرة كالنجوم المتبعثرة في السماء ... الانتظار هو المرض الذي يحتل جسدنا و مشاعرنا لسنوات ... فكم منا من يحتاج إلى رصاصة الرحمة هذه ... لكي تنقذنا من ألم الانتظار
#هاني الشوبكي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق