السبت، 17 أغسطس 2019

بحث في الذات البشرية بقلم الرائع عبد الوهاب جعيل


في أواخر العقد الثاني من عمري، كنت مغرما كثيرا بكتابات العقاد الذي ابتكر أسلوبا مميزا في الكتابة يستعصي على القراء المبتدئين، حتى أنه رد على من ينتقدون أسلوبه بقوله
"أنا لا أكون مروحة للكسالى النائمين" وهي عبارة تختصر الكثير من العادات التي ترسخت لدى البشر الذين لا يكلفون أنفسهم عناء البحث والتقصي والمطالعة ويبحثون دوما عن الجاهز واليسير، كنت أبذل جهدا كبيرا كي أستوعب كتاباته ثم أحاول اسقاطها على الواقع الذي أعيشه، في تلك الفترة الزمنية من العمر التي يسميها بعضهم بالمراهقة، كانت الصراعات تشتد بين الشباب في محاولة اثبات الذات وابراز الشخصية والتعصب للآراء والبحث عن تفسيرات لمختلف الأحداث التي كانت تدور رحاها من حولنا، تعلمت حينها أن أشرح كل فكرة في وقتها وأن أجهز نفسي لانتقاد ونقد لاذعين بمجرد أن أقرر فتح موضوع جديد لم يسبق وأن تطرق إليه أحد من أقراني، وحين تنتهي الحجج سيصفك أحدهم بالخبل أو بعاشق التفلسف أو ربما ينسحب غاضبا نادما على اللحظات التي يظن أن كبرياءه قد انكسر فيها.
****************************
كان عقلي يسجل كل تلك الأحداث ثم يفصل بعدها العقول ليختار منها مستقبلا ما يتواكب مع أحلامه وطموحاته، كنت أستغرب حينها من السلوك الانساني وأسعى جاهدا لفهمه وأنا محاط بالعديد من كتب علم النفس والفلسفة التي شُغفت بها كثيرا، إلى أن جاء ذلك اليوم الذي قرأت فيه عبارة للعقاد يحكي فيها عن تجاربه في الحياة وأنه كان يعمد كل يوم إلى تسجيل الصفات التي تصادفه في البشر كل يوم حتى امتلأت صحائفه ولم يعد يبدي أي استغراب فكل صفة يراها لاحقا يجد أنها مدونة ومرت عليه تجربة تشبهها.
******************************************
خلاصة القول: صحيح أن البشر يختلفون في سلوكاتهم وردود أفعالهم وقد نرى ردودا مختلفة لنفس الموقف، مما ينجم عنه خلل على مستوى الإدراك الذي تتغير لديه المفاهيم في كل مرة، الحياة لن تمنحك شرف تجربة كل شيء، قراراتك الحاسمة هي التي ستمنحك التقدم الذي تنشده، البقاء في نفس الدوامة ومحاولة البحث عن أعذار وتفسيرات قد تأكل عمرك كله، الحياة محطات، منها ما ستكون مجبورا على النزول فيها رغما عنك، ومنها من ستنزل فيها بمحض ارادتك، وأهمها التي تجتازها غير آبه بها، لا تضيع وقتك في ربط الأحداث، كن حاسما واحيا الحياة التي تريد، الخسارة الحقيقية أن تخسر نفسك لارضاء الآخرين باسم العرف والعادات واحترام قوانين المجتمع على حساب نفسك.
***************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق