السبت، 17 أغسطس 2019

صائد العصافير قصة بقلم الرائع محمد علي عاشور



صائد العصافير 
قصة قصيرة بقلم / محمد على عاشور 
منذ أن كان طفلا لم يستهوه شيء سوى العصافير ، منذ أن خطت قدماه أولى خطواتها على الأرض وهو يطاردها ، تعشق أذناه زقزقتها ، و تتعلق عيناه بها و هى تطير فى السماء ، أو تقفز على الأرض ، أو تتنقل بين الأغصان ، يراقبها و هى تدخل اعشاشها الموجودة بين الجدار و سقف الدار المصنوع من الغاب و افرع الصفصاف .
كان يطير فرحا و هو يرى أفراخها قد فغرت فاها مستقبلة أمهاتها التى تضع مناقيرها داخل تلك الأفواه الواسعة التى تصرخ طالبة المزيد .
عندما كان في السادسة من عمره كان يعاون جده فى صيدها وقت القيلولة ، فكان يقبع فى ركن الغرفة ممسكا بحبل رفيع متصل بشباك الغرفة ، و قد نثر الجد بعض الحبوب فى الأرض ليجذبها ، و ما أن تتجمع العصافير ، يجذب الحبل فينغلق الشباك ، و يوقظ جده ليمسكا بالعصافير التى تحاول الفكاك فتتخبط فى الجدران .
يأتي العشاء فيتناول لحمها الصغير اللذيذ .
عندما بلغ الثانية عشرة أصبح عنده سلم خاص لصيدها ، و كان يعلم مكان كل عش ، و عدد الافراخ ، و متى يمسك بها قبل أن تطير ، فيصطادها و يأكلها .
كانت العصافير كل حياته ، لم يجر خلف كرة ، أو يهرول مع أقرانه فى لعبة ( الاستغماية ) أو صيد الأسماك بالصنارة ، فقط العصافير .
لفت انتباهه صراخ أفراخ فى عش صراخا متواصلا .
ظل واقفا أسفل العش ينظر إليه و يراقبه ، فلا يرى الأم تدخل أو تخرج ، بل صراخ متواصل ، صراخ فقط. 
أحضر السلم ، ثم صعد فى بطء ، وصل إلى العش ،تسمر فى مكانه .
الأفراخ تصرخ و الأم ممدة فى العش ميته ، يسيل من فمها بعض طعام لم يأكله صغارها .
مد يده وسحب الأم ، أخذ يقلب فيها و يدور بها اسفل العش ، ينظر إليها تارة و تارة ناحية العش ، ثم أخذها ، و حفر لها حفرة و دفنها و جلس يقرأ عليها القرآن. 
جلس أسفل العش منتظرا عودة الأب لإطعام الصغار الصارخة ، رافضا كل دعوات أمه له بالطعام .
طال انتظاره أسفل العش ، صراخ الافراخ يطن فى أذنه . 
أسند ظهره للجدار المقابل للعش و تعلق نظره بمدخله منتظرا عودة الأب لإسكات هذه الأفواه الصارخة ، طال انتظاره ، يقف تارة ، يجلس تارة ، يسير اسفل العش تارة و عيناه معلقة به . 
انصرف من أسفل و غاب لحظات .
عاد و معه بعض حبات القمح ، و قد غمسها فى لبن ، وقف ينظر للأفواه الصارخة ، أخذ يضع بين إصبعيه حبتين أو ثلاثة ، ثم يضعها فى فم كل فرخ بهدوء .
أكلت الأفراخ ، و توقفت عن الصراخ ، مكث مدة يتطلع إليها و هى هادئة كأنها ركنت إلى النوم .
ظل أياما يطعمها و يراها تكبر و تسمن ، تستقبله صاعدا إليها بالطعام ، و قد بدأت اجنحتها تنمو و تنمو استعدادا للطيران .
رأها تخرج من العش ، تحلق حوله و تزقزق ، و تقترب منه و تبتعد .
وقف وسطها سعيدا ، ثم بدأ يلقى إليها بحبات القمح ، و يراها تلتقط و تطير و تدور حوله ثم تذهب إلى العش .
من وقتها لم يتوقف عن متابعتها ، لكنه توقف عن صيدها .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق