الأحد، 13 يناير 2019

المستر و أنا بقلم الرائع وليد.ع. العايش



_ المستر (...) وأنا _
________
الليلة هي إحدى ليالي كانون ,كانت الساعة قد تبعثرت عن الثالثة صباحاً ؛ كنتُ حينها أغطّ في نومي على سريري الأصلع , شيء ما حركني بقوة , قفزتُ واقفاً , اصطدمَ رأسي بسقفِ الغرفة المحدودب كرجلٍ عجوز ؛ عرفتُ آنذاك بأنَّه يرقدُ بجواري .
تركتُ السريرَ مُهرولاً , فقد قررتُ لتوّي أن أهِبَ نفسي لحياةٍ أخرى ليس فيها المستر ( ... ) , ارتديتُ بعض الثياب الثقيلة , كانَ مِعطفي الرثّ آخرها , جمعتُ ما استطعتُ جمعهُ من طعامٍ في حقيبتي السوداء , عصاً مُدببةَ الرأس كانت تنتظر ُأن تُرافقني في ذلكَ الوقت ؛ حزمتُ إليها زوادتي , ثُمَّ انطلقتُ مُتخفّياً , تركتُ الباب الخشبي مفتوحاً كيلا يشعر أحد ما بخروجي في هذا الوقت .
عندما أصبحت في الشارع صوّبتُ بوصلة قدميّ نحو الجبل الذي بدأ يلوحُ بِقرْعَتهِ من بعيد ...
- هناك ربما لن أجده , ولن أحتاج أن أستعملهُ ... قلتُ في نفسي ...
غزيّتُ خُطاي مُسرعاً قبلَ أن يلِجَ الفجرُ ويُفتضحَ أمري , خرجتْ الشمسُ بخجلٍ , بعض الغيوم كانت تُزاحمها هُناكَ في الشفقِ الأولْ , بينما الطيور بدأت تستيقظُ رويداً رويداً غير آبهةٍ بالبرد المطبق على أرجاء أعشاشها , في الطريق اِلتففتُ خلفَ رابيةٍ صغيرة , فقد كان يمرّ من هنا راعٍ برفقةِ قطيعٍ يسيرُ على مهل , لم ألبث وأن بدأتُ بتسلقِ الجبل المتوضئ لصلاةِ الفجرْ .
عندما ركنتْ الشمسُ نفسها فوقَ الأفق كنُت قد وصلتُ ( بالسلامة ) إلى قمّة الجبل .
البرد كان حاضراً بقسوة , لملمتُ بعض عيدانٍ مُنتشرة في المكان , أشعلتُ فيها عودَ ثقاب , ثارَ الدفءُ بأطرافِ جسدي المُنهك , فتحتُ الزوادة بتأني , فالوقتُ طويل طويل , كانَ للطعامِ نكهة أخرى لمْ أعهدها من قبل , الصمتُ يسود الأرجاء , الرياحُ وحدها من كانتْ تُهشِّمُ أضلاعه , نقاشٌ ما كان يدورُ بالقربِ مني ؛ لتوّهِ وصل إلى أذُني ...
- ماذا تريد أن يكون إفطارك يا سيدي ...
- كل ما تجد في طريقك ... لكن لا تنسى الشِواء , فأنا أُحِبُّ الشواء صباحاً ...
- حاضر ... حاضر ... تبدو وكأنّكَ أجمل من يومِ أمسٍ ... بذتُكَ جميلة جداً ، ربطةُ العُنق تليقُ بك ...
ابتسمَ الجبلُ وهو يتحسسُ عنقه , ورأسهُ الأصلع ...
- عليك بتصفيفِ شعرك يا سيدي !!! ... أو أنا مَنْ سيفعلُ لكَ ذلكْ , لا تُرهق نفسك ...
نظرتُ حولي حتى انتفختْ عينيَّ ؛ لم أستطعْ اللحاقَ بأنفاسي اللاهثةْ ...
- حتى أنتَ أيّها الجبلُ تحبُ المستر ( ... ) ... ما حاجتك به وأنت الأقوى , الأعلى ...
ربما في تلك اللحظة لعنتُ ساعةَ فِراري إلى هذا الجبل ( الأهبل ) ... جمعتُ أشيائي بسرعة , لحظات وكنت قد غادرتُ المكان .
المطرُ بدأ يُهروِلُ هو أيضاً , كنتُ أخشى أن يكون مجيئهُ كي يُساعدَ الحجارة في تلبية رغبات الجبل , فاحتميتُ منه بمظلّةٍ كانتْ في حقيبتي السوداء ...
- إذن سوفَ أقصدُ الصحراء ... هُناكَ لنْ أجدَ شبحَ المستر ( ... ) ...
أصبح الوقتُ يميلُ ك غانيةٍ نحو المساء , الراعي عادَ من ذاتِ الطريق , الطيور الغاضبةُ من رحلةٍ فاشلة تُطلِقُ حملةً من النعيق , الأرضُ المُبللة تستهويها قدماي الملوثتين بالطين .
هاهي الصحراء قد ارتدتْ ثوبَ النوم , كانَ شفافاً حتى أنّهُ اظهرَ مفاتنَ جسدها , رسمتُ خيمةً رمادية , ثُم دخلتها وأغلقتُ السِتارةْ ...
- إنّكِ جميلةٌ جداً يا سيدتي ...
- ماذا تقول ... هل حقاً أنا جميلة ( ترنحت في جلستها وهي تنظرُ إلى ساقيها الأبيضين كما ثلج كانون )...
- نعم إنّكِ جميلة , بل ومُثيرة جداً ... انظري إلى خصرك , إلى شعركِ الطويل الذي يُشبهُ شلالات بلاد الشمال تمايلت الصحراءُ وهي تُعاوِدُ النظر إلى نفسها بمرآةٍ غشاها السواد , أمسكتْ بأحمرِ الشفاه , زيّنتْ وجهها أكثرْ ...
ضربتُ الخيمة بقدميّ , خرّتْ ساجدةً , تمتمتُ ببضعةِ كلماتٍ ربما أنا ذاتي لم أفهم معناها ... حملتُ زوادتي وانطلقتُ ,لم أشأْ النظرَ للوراء , فقدْ استفزتني شجرةُ الشوك اللعينة بحديثها , تابعتُ رحلتي وأنا أُفكّرُ في محطتي التالية , لمْ تمض سوى لحظات حتى كسرّتُ كُلّ ما لدي ... رميتُ أشيائي , تركتُ العِنانَ لدموعي كي تروي حكايةً منْ حكايا ألف ليلةٍ وليلة ...كتبتُ على صفيحِ الثرى ( في هذه الحياة : إن لم تكنْ مع المستر (...) فلا مكان لك , ولستَ تملك سوى الفرار ... أوالبكاء ) ...
__________
وليد.ع.العايش
5/1/2019م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق