الأحد، 13 أكتوبر 2019

خريف الهجرة بقلم الرائع محمد طه العمامي


خريف الهجرة
ليل رهيب ورياح تصفّر وبوم يعوي وخشخشة اوراق يابسة
كوخ رمت به الاقدار على ربوة عالية
الرياح لا تعرف لينا ولا هوادة
دقائق ويطير الكوخ ومن فيه
حمار يتململ يشكو الما في رجله
اتتقم منه صاحبه في هذا اليوم بعصا من الزيتون ياله من حمار بليد
قضى الصبح كله يلاحق جحشة الشيخ المولدي
وفوت على صاحبه اعمال عدة
ديك يذهب ويؤوب يسهر على راحة الفراريج الصغار
ادخل البرني عند العمال والمعروف باسم
(كبران المعمرة )
المعمرة نتنة كأشد ما تكون من نتونة
سكون رهيب يخدشه شخير صبي صغير
اشعل فتلة الزيت انبعث ضوء باهت بقايا خبز مبعثرة من انس وامس
امراة متلهوثة في بثايا برنوس تتقيأ بلغم السعال الشديد
كان البرني يحس بالبرد
ارتما الى جانب زوجته انه في حاجة الى الدفء ؟
تلوثت يداه بالاوساخ قام لتوه ونظر الى عينيها
فلم توحيا اليه سوى المكر والدهاء
أبعد عن صدرها دجاحة ورماها الى الخارج من شدة الغيظ
-ياشمطاء حتى الدجاج تقاسم معنا الفراش
تمتمت العجوز وهي في نومها : تي خليها برك تكمل ها المديدة الفليليسات قريب يفقسو لنهار السوق
رفع البرني راسه فشاهد حبلا عليه صف طويل من أم البوية (الحرباء) المجففة
ضحك ضحكة صفراوية ثم تمتم بين شفتيه الغليظتين : عجوز وخبيثة ولد الفار مايكون الا حفّار بوك الاحدب وامك العرجاء
خرج من المعمرة في اتجاه حماره الادبر كان عليه ان يرضيه ويحسن علاقته به
وقف يتامل وقد أخذته عليه رأفة
-يا لدرع يا دمدوم اش لزك حتى تاكل ما ياكل الطبل نهار العيد كم مرة نبهت عليك اخ ما تعفش
ربت البرني على كتف حماره وراح يطل على معمرة الثيران بقرات عجاف يسففن التراب
البقرات فقدن الصوت البرني يبكي كلما يشاهد بقراته نخور الحشائش أصبحت تشترى لكن لا يقدر على شراء ثلاثون حزمة من الحشيش في كل يوم
الفلاحون باعوا كل مايملكون في السوق
محراث بقر دجاج بيض
لن تبقى الا البيوت والعباد والكلاب، البيوت سقف وقاع
المزاود جلود للجلوس
الكلاب تنبح ليلا ونهارا انها تشكو الفراق
لم يعودوا يطهون الشاي كعادتهم لم يعودوا يتسامرون في الليل تحت ضوء القمر ووقت القيلولة تحت ظل الاشجار لم يعودوا يعملون احرار
لم يعودوا يبكرون كعادتهم وطلوع الفجر حاملبن المعاول والرفوش
اصبحوا مقيدين بالوقت
عدم احترام الاوقات يعرض صاحبه الى العقاب الشديد
اصبحوا يعاقبون كما يعاقب كل تلميذ ياتي القسم متأخرا
البرني يفكر كثيرا في مصيره الفجر من حوله ينبلج القرية ساكنة لا حياة فيها الراعي لم يعد يذهب الى المرعى كعادته بالشياه كل صباح
ربما القطيع بدون بروستات
اغصان الاشجار عارية قبيحة، الاطفال في القرية لم يتسلقوا الاشجار منذ زمان
الاغصان تدمي اجسامهم العارية كم فكر البرني في ان يقطعها ويجعل منها حطبا
رجع المعمرة ، زوجته مازلت متكمشة كما تركها
الفتيلة انطفات لما هب النسيم قويا
سال الزيت عل المنضدة باعثا رائحة كريهة
المعمرة دائما نتنة
الالواح تتساقط من السقف المنهار كالرذاذ نظر الى وجهه في قطعة مرآة معلقة في مسمار
ضحك من نفسه كثيرا ضحك من شعره الاشعث الاغبر قهقة طويلا لما ادرك ان انفه الافطس يشبه انف حماره يالها من مرآة لعينة
كان الصبي في ركن من المعمرة يتقلب كالمحموم كانت أعواد الحصير موجعة قاسية ، وقفة ابيه في شرود تبعث الحيرة والتسائل في النفس، لم يتعود ان يراه في مثل هذه الحال ، لقد بدا عليه في ذلك اليوم حزن مكظوم وغيظ مخزون إقترب من ابيه واحتضنه من رجليه كما كان يفعل كل صباح ليتلقفه ويضمه الى صدره ، لكنه لم يتلقفه في هذه الساعة بل ظل شاردا بعينيه وعقله
كان يريد ان يقول شيء
كان في عيني البرني دموع عزاز ، الرجولة حتمت عليه ان يصمد .
اشرقت شمس الصباح فكانت قوية مخدرة
كا ن البرني آنذاك قد ركب حماره ومن ورائه ولده الصغير
الحمار يسير في الاتحاه الذي يريده والاخر ساكت لا يبدي اي معارضة انمهما على اتم وفاق كما المجلس التاسيسي
الحمار يركض ركضا حثيثا لم يعد في هذا اليوم حرونا إنه يعرف قساوة صاحبه جيدا
الارض من تحت الارجل بيضاء كالقطن
الحصى يعرقل سير الحمار ويوشك ان يسقطه طالت الرحلة وتالم الصبي كثيرا في فخذيه من ركوب الحمار
كان يخاف لو سأل اباه ان يثير غضبه لا سيما عندما تقوى حرارة الشمس مازال يتذكر ذلك اليوم اللعين يوم ضرب والده أمه بنفس عصا الزيتون التي ضرب بها الحمار واطردها من البيت لمجرد سؤال القته عليه وهو راجع من الحقل وقت القيلولة ، انه يتاثر كثيرا بالحرارة فيصبح لا يعي مايفعل
لزم الصبي السكوت ولعله اخذه النعاس فنام فوق الحمار ساعات
جاء وقت صلاة الظهر ولم ينزل البرني ليؤدي صلاته العصر المغرب العشاء والبرني شاخص بعينيه الى الامان كانه قد سمر فوق نقيق ضفادع ، الحمار يقاوم بوهن مشاق السفر ، اشتد قر الليل فتح الصبي عينيه فارهبه الظلام الموحش
عرف ان الرحلة مازالت طويلة مادام الحمار يركض
أسند ظهره من جديد على ظهر والده فغلبه النعاس وشخر كما لوكان نائما فوق الحصير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق